
بقلم الكاتب الصحافي عبدالله العبادي
المختص في الشؤون العربية والإفريقية
هل بدأت مرحلة المراجعات السياسية للأحزاب المغربية استعدادا للاستحقاقات المقبلة؟
يبدو أن الأمر كذلك حتى وإن كانت بطريقة مترددة وخجولة، لكن المشهد السياسي يطرح العديد من الأسئلة، فيما يخص واقع الاحزاب وأيضا الشخصيات السياسية، وهل يمكن أن يثق الشعب في الأحزاب الحالية لقيادة الحكومة المقبلة، خصوصا في الظرفية التي نعيشها اليوم على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
جل الاحزاب قاصرة اليوم على التواصل والحوار مع الأخر المختلف فكريًا وسياسيًا، لا الأحزاب المشكلة للحكومة ولا أحزاب المعارضة، الكل فقد البوصلة ولم يعد قادرا على طرح الحلول أو البديل للسياسات العرجاء. جل الأحزاب شاخت وفقدت أطرها او تم الاستغناء عنها، أو غادرت المشهد غير مقتنعة بالفعل السياسي الحالي.
في اعتقادي، حان الوقت للتخلي عن السلوك الإقصائي الذي ساد مختلف التيارات السياسية، صراعات كبيرة على الكراسي ومحاولة توريث المناصب، ومتاجرة بالمصالح، وغياب الشباب والدماء الجديدة. فسادت خطابات التخوين والشتم المتبادل وهي التي عبدت الطريق نحو الممارسة السياسية العقيمة، أي انتشار التفاهة والشعبوية بين جموع السياسيين.
المهم اليوم، أننا خرجنا بتشخيص لمعوقات البناء السياسي، وعجز الأحزاب السياسية عن مواكبة المشاريع الملكية وتطلعات المجتمع المغربي، فغرقت في فساد الخطاب والفعل والتطبيق، فوضى سياسية عارمة وإهمال المطالب الاجتماعية وإقصاء الشباب والتأخر في بناء المؤسسات، وهي كلها عوامل مهمة لكنها ليست كافية، لإدراك كافة جوانب الأزمة الهيكلية التي يعيشها المشهد السياسي بأبعاده الثقافية والاجتماعية والسياسية.
الحالة اليوم، لم تكن لتفسر بسوء تقدير أو ضعف الأداء الحكومي ولا بتجاهل قدرة الغضب الشعبي، بل مرتبط أساسا بهشاشة المعارضة، وطرح برنامج سياسي بديل لحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المواطن، المعارضة هنا للنقد فقط وطرح الأسئلة تحت قبة البرلمان. حتى الأحزاب الكلاسيكية فقدت قاعدتها الشعبية بسبب انقسامات فكرية حادة، خاصة حين يتعلّق الأمر بالعلاقة مع الآخر والبرامج السياسية والبدائل الممكنة.
نحن بحاجة لانتقال ديمقراطي سلس، بدون اندفاع وحماسة وعواطف، بل نحتاج إلى عمل عميق وقاعدي وسيرورة هادئة، تحضر فيها التجربة السياسية والكفاءة والمصداقية التي تؤسس لعلاقة تشاركية قوية بين النخب السياسية وبين الشعب. نحن بحاجة إلى فتح نقاش وطني حقيقي وبناء.
الواقع بحاجة إلى أحزاب سياسية تقترح برنامجا وخططا حقيقية لتكريس ما يرفعون من شعارات وميثاق أخلاقي أيام الانتخابات. نحن بحاجة لعقد سياسي جديد يحدد شروط التعامل بين الأحزاب السياسية، التي تحكم والتي تعارض على حدّ سواء، ويحدد شروط العلاقة بين المواطن والحزب وبين اعضاء الحزب نفسه.
فهل تقبل الأحزاب السياسية التي تربت بين أصفاد أيديولوجية مغلقة جلها فاسدة، ومنظمات المجتمع المدني وعموم المواطنين، أن يتحول هذا الحوار الوطني إلى ثورة سياسية وطنيةحالمة بانتقال ديمقراطي بناء وهادف، يخدم الوطن والملكية ويبني مغرب الغد.
الأمر يتطلب تربية سياسية يجب أن نتعلمها جيدا من أجل وطننا.
Please follow and like us: